سفينة المجتمع...[فريق الريان]

[rtl]بسم الله الرحمن الرحيم[/rtl]

[rtl]ورد في الصّحيح من حديث النّعمان بن بشير رضي اللّه عنهما يقول عليه الصّلاة والسّلام: “مَثل القائم على حدود اللّه والواقع فيها، كمثل قوم استهمُّوا على سفينة، فأصاب بعضهم أعلاها وبعضهم أسفلها، فكان الّذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مَرُّوا على من فوقهم فقالوا: لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقًا ولم نؤذ من فوقنا، فإن يتركوهم وما أرادوا هلكوا جميعًا، وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعًا”.[/rtl]

[rtl]تاللّه إنّها لصورة عجيبة تتمثّل في النّفس عند قراءة هذا الحديث، صورة حيّة شاخصة موحية معبّرة، فهناك جمال بديع في هذا التّشبيه بالسّفينة، فالحياة كلّها هذه السّفينة الماخرة في العباب، لا تكاد تسكن لحظة حتّى تضطرب من جديد، ولن يكتب لها السّلامة والاستواء فوق الموج المضطرب حتّى يكون كلّ شخص فيها على حذر ممّا يفعل، ويقظة لمَا يريد.

هذه السّفينة يركب على ظهرها البرّ والفاجر، واليقظ والغافل، والذّكي والأبله، فهي تحملهم جميعًا، ولكنّها محكومة بالموج المضطرب والرّياح من جانب، وما يريده لها الربّان من جانب، ولذلك فهي تتأثّر بكلّ حركة تقع فيها، فتهتزّ مرّة ذات اليمين وتهتزّ مرّة ذات الشّمال.

إنّ كثيرًا من النّاس يخيّل إليه أنّه ثابت على البرّ، راكز راسخ لا يضطرب ولا يزول، ولذلك تراه يفجُر ويطغى، ولو تذكّر مَن استكبر وطغى أنّه ليس راكزًا على البرّ ليس دائمًا في مكانه، ولا خالدًا في سطوته، وإنّما هي رحلة قصيرة على سفينة الحياة، لو تذكّر ذلك ما استكبر ولا طغى، ولا اغتر بقوته الزائلة، ولعاد لمصدر القوة الحقيقية في هذا الكون، يستلهم منه الهدى، ويطلب منه الرّشاد، لو تذكّر مَن يفجر وينحرف أنّه ليس راكزًا على البرّ، وأنّ كلّ حركة يأتيها تتأثّر بها السّفينة فتهتزّ، لو تذكّر ذلك لما ترك نفسه لشهواته، ولعمل حسابًا لكلّ خطوة يخطوها ولكلّ حركة يتحرّكها حرصًا على نجاته ونجاة الآخرين، ولكنّها الغفلة الّتي تخيّم على البشرية.

الحبيب صلّى اللّه عليه وسلّم يُدرِك هذه الغفلة الّتي ترين على قلوب النّاس، فيحذّرهم منها، ويصوّرها لهم في صور شتى، من أعجبها وأبلغها هذه الصّورة الّتي يرسمها هذا الحديث، صورة السّفينة الماخرة في العباب، فحينما يقوم زيد من النّاس مفتون منجرف في تيار الشّهوات، يقول: لا حرج عليّ فيما أصنع، وسأفعل ما يحلو لي، وليس لأحد عليَّ سلطان ويتركه النّاس ليفسق ويفجر، وينشر الفاحشة في المجتمع، يتركونه إمّا خوفًا منه أو طمعًا، وحينما تقوم فتاة مستهترة، تتميّع في حديثها، وتتكسّر في مشيتها، وتعرِّي ما يحلو لها من جسدها، وتتعرّض للشّباب تثير فتنة الجنس ونوازع الحيوان تقول: لا حرج عليَّ فيما أصنع، أفعل ما بدَا لي، ويتركها النّاس، ويوم يقوم كاتب يزيّن الفاحشة ويحسّنها للنّاس، يقول: أنا حرّ فيما أكتب، أكتب ما بدَا لي، وليس لأحد عليَّ سلطان، ويتركه النّاس، يتركونه يعيث في الأرض فسادًا، ينشر السّموم في النّفوس، ويقولون: هل نحن به مكلّفون؟ وحينما يقوم والد ضعيف الشّخصية يحكمه الترف والاسترخاء، يترك أولاده يعيثون بلا رقابة، يقول: هم أولادي وأنا حرّ فيهم، أفعل ما بدَا لي، وليس لأحد عليَّ سلطان، ويتركه النّاس يتركونه تملّقًا، أو يتركونه استخفافًا، يقولون: هو في النهاية الخاسر، وما لنا عليه من سبيل، ويستمتع الأولاد بالتحلّل من الضّوابط والانفلات من القيود، ويستمتعون بلذّة الهبوط، وعندما يقوم طالب يغش في الامتحان، يقول: أصنع ما بدَا لي، وليس لأحد عليَّ سلطان، ويتركه النّاس، يتركونه إشفاقًا على مستقبله أو يتركونه استخفافًا بالجريمة، وينجح الطالب، ويستمتع بهذا النّجاح الميسر البسيط التّكاليف، ويغري النّجاح غيره فيروحون يعبثون العام كلّه، يتسكّعون في الطّرقات، ويجرون كالكلاب الشّاردة وراء الفتيات ثمّ يسهرون الأسبوع الأخير يحضِّرون عبثًا من أجل الامتحان.

وحينما يقوم موظف يرتشي يقول: مَن يحرِّج عليَّ فيما أصنع؟ أفعل ما بدَا لي، وليس لأحد عليَّ سلطان، ويتركه النّاس يتركونه بدافع الحاجة إلى ما في يده من المصالح، أو بدافع الخوف إن كان من ذوي النّفوذ، عندما يحدث هذا فلا شك أنّ السّفينة ستغرق، ويصدق على الجميع ما ذكره المصطفى صلّى اللّه عليه وسلّم: “فإن يتركوهم وما أرادوا هلكوا جميعًا، وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعًا”. واللّه وليّ التّوفيق.[/rtl]

[rtl]الجزائر: الشيخ عبد المالك واضح.
إمام مسجد عمر بن الخطاب بن غازي ـ براقي -[/rtl]